لا تايلندين في رام الله!!
الكاتب: د.حسن عبد الله
لان فلسطين تئن تحت حديد وفولاذ ونووي الاحتلال, فإن أهلها يعتبرون أن نصرتها واجب انساني , ولم يتركوا بلداً واحداً على هذا الكوكب دون ان يطرقوا بابه , باحثين عن نصره. فجابوا بلاد اوروبا وافريقيا والامريكيتين, ومن الطبيعي ان يبدأوا من اسيا, ففي هذه القارة بلدان عربية شقيقة وصديقة, بعيدة وقريبة , وفيها ثقل سكاني لا يستهان به, حيث الصين والهند واندونيسيا.
لم يكره الفلسطينيون أحداً, ولا خصومة لهم مع تايلند والتايلنديين. فلماذا يصر بعض سكان رام الله على تسمية إخوانهم , الذين قدموا الى مدينتهم من شمال الضفة بالتايلنديين. فهم لم يأتوا من عالم نائي, بل قدموا من جنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس طلباً للرزق, لأن أبواب العمل الأُخرى قد أوصدت في وجوههم.
الجوع وحش كاسر عض الأهل في قراهم ومدنهم , فاستغاثوا برام الله, ووجدوا فيها متنفساً. فلماذا لا نتقاسم معهم الرغيف؟.
قال لي صديق عزيز خبِِّرالإنتفاضة الاولى, وأُجبر على الإحتراق في صحراء النقب معظم شهورها عقاباً له:- كان أبناء الحي الواحد, يتقاسمون الرغيف والألم والصبر والأمل خلال منع التجوال.
وقال صديق آخر يحاول التأريخ للإنتفاضة الأولى :-
تحولت منازل رام الله الى غرف صفية لممارسة إبداع التعليم الشعبي, عندما أغلق الإحتلال المدارس.
وأخبرني طبيب : انه رفض أن يتقاضى فلساً واحداً, مقابل علاج الناس, حينما كانت جنازير الدبابات تأكل شوارع رام الله.
وأكدت لي الحاجة خديجة :
انها في تلك الفترة كانت تبتهل الى الله في صلواتها , لحماية جميع افراد مدينتنا والمدن الاخرى. وان دعاءها كان لا يفرق بين قريب وبعيد.
وأقسم عبد الرؤوف الحسن: أنه ناول ابن الجيران آخر رغيف خبز في منزله, لكي يسكت جوعه, بينما لم يجد اطفاله فتاتاً يخدرون فيه وحش الجوع , الذي كان عواؤه يقطع أوتار قلبه.
وقرأت في ارشيف الإنتفاضة التي عشتها من الفها الى يائها , باستثناء الغياب القسري في معتقلات الاحتلال, ان التضامن الشعبي ,كان سلوكاً يومياً اعتيادياً. فرغيفك ليس لك وحدك, ودواؤك هو دواء الناس، وشربك ملكية عامة, وجراحك, جراح الآخرين.
لماذا ننسى بسرعة؟ لماذا لا نتعلم من تجاربنا المضيئة؟, صرخة نسمعها من المثقفين وأنصاف المثقفين, الحزبيين واللا حزبيين, المخلصين والمزاودين..!!
كيف نتعلم .. وكيف نستفيد.. وكيف نستدعي التجارب المشرقة, ونطورها؟ ونحن ننعت من جاء الى مدينتنا مستغيثاً بـ " التايلندي "!!!
وأصدقكم القول انني أُصبت بصدمة جدية عندما سمعت بهذه التسمية قبل سنتين:-
كنت أستقل مساء يوم خميس سيارة أجرة في طريقي الى بيتي... وما ان تجاوزنا دوار المنارة حتى قال السائق:
أنظر كيف تبدو الشوارع هادئة؟
قلت: الهدوء مريح للجميع.
قال: الهدوء يسود المدينة, بعد عودة التايلنديين الى مدنهم وقراهم. استدرك " انهم يعودون كل خميس".
قلت باستغراب- هل يوجد في بلادنا تايلنديون؟
سأل متشككاً: ألست من سكان هذه المدينة؟ّ
أجبت: نعم.
قال: التايلنديون هم سكان الشمال, الذين غزوا رام الله,سطوا على وظائفنا وفرص عملنا.
قلت: رام الله مدينتهم ما دمنا ابناء وطن واحد.
وقبل ان تتوقف السيارة أمام منزلي, سألت: هل انت في الأصل من رام الله؟
ابتسم وكأنه يستخف بسؤالي:-
- ماذا تعني باصليين؟ الا تعلم ان الغالبية العظمى من أهل رام الله الاصليين هم خارج البلاد؟!
- من أين أنت إذن؟
- أنا أعتبر نفسي أصلياً , فقد جئت الى هنا من جنوب الضفة , قبل عشر سنوات..
قلت له بمكر :- الا يغضبك , اذا أطلق عليك أهل رام الله لقب " الصيني" أو " المكسيكي" أو " الهندوراسي"؟!
داس على الفرامل بغضب, لتتوقف السيارة أمام منزلي ... وفي غرفتي جلست حائراً بين هذه التسميات, قلت في ذاتي: الا يكفينا تسميات كفلسطينيي الشتات, وفلسطينيي الـ48, وفلسطينيي القطاع, وفلسطينيي القدس, وفلسطينيي مخيمات سوريا أو فلسطينيي مخيمات لبنان والاردن..... الخ
هل نحن بحاجة الى تسميات مستوردة من تايلند, او من بلاد السند والهند؟... هل نخطط لدخول موسوعة غينس للأرقام القياسية في التسميات المأساوية؟!... وعذراً للشعب التايلندي, فهو لم يعتد على الفلسطينين يوماً.
السبت يناير 28, 2012 12:33 pm من طرف فحماوي حجازي
